أعظم علاقة أخوّة في التاريخ:
أقوى علاقة بين أخوين في التاريخ هي علاقة موسى وهارون، وأقوى علاقة أخوّة ذُكرت في القرآن هي علاقة موسى وهارون، وأسوأ علاقة أخوين في القرآن هي علاقة قابيل وهابيل وكأن القرآن يريك علاقات الأخوّة من أولها إلى آخرها، من أعلى درجة إلى أسوأ درجة. أي علاقة بين اثنين تكون علاقة تبادلية وتكاملية ليس فقط تبادلًا ماديًا بل تبادلًا روحانيًا، فإن سيدنا موسى أعطى سيدنا هارون أعظم هدية وهي النبوة فقد دعا وقال {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي...} (القصص:34) ويقول الله سبحانه وتعالى {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} (مريم:53)، أيضًا أعطى سيدنا هارون سيدنا موسى المساندة فقد سانده ووقف إلى جانبه أمام فرعون، فهي أعظم علاقة أخوين فقد أثنى القرآن على هذه العلاقة في سورة الصافات قائلًا: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ {114} وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ {115} وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ {116} وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ {117} وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ {118} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ {119} سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ {120} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {121} إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {122} (الصافات) فهي أقوى وأجمل علاقة أخوّة.
مراحل علاقة سيدنا هارون بسيدنا موسى:
لم تبدأ هذه العلاقة مرة واحدة بل كانت على مراحل حتى وصلت لهذه الدرجة الوطيدة القوية، فمراحل هذه العلاقة كالآتي:
المرحلة الأولى: كان هارون يزور سيدنا موسى في قصر فرعون على أنه ابن مرضعته.
المرحلة الثانية: عرف سيدنا موسى أن المرضعة أمه وهارون أخوه فهو شقيقه من دمٍ واحد وروحٍ واحدة، وقد كان سيدنا هارون دائمًا يقول {يَا ابْنَ أُمَّ} (طه:94) لأنه يشعر بأصل هذه العلاقة.
بدأ سيدنا موسى يحكي لسيدنا هارون مأساة بني اسرائيل ويشكو له - همه.
المرحلة الرابعة: انتقلت من علاقة الأرحام إلى علاقة الأخوّة في الله، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم "ما تآخى اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله أكثرهما حبًا لصاحبه" ويقول أيضا "من أحب أخًا في الله رفعه الله درجة في الجنة ما بين الدرجة والأخرى كما بين الأرض والسماء لا ينالها بشئٍ من عمله"، يقول الله في الحديث القدسي "وجبت محبتي للمتحابين في" وينادي الله في الحديث القدسي ويقول "أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلي"، فقد كانا يعبدان الله سويًا لذلك ارتقت العلاقة من أخوّة الدم إلى الأخوّة في الله. يقول سيدنا موسى {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} (طه:33-34) ويقول الله {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (يونس:89) فقد كانا يعبدان الله سويًا ويذكران الله سويًا لذلك تحولت العلاقة إلى أخوّة في الله.
المرحلة الخامسة: شركاء في رسالةٍ واحدة وهي إصلاح بني إسرائيل {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (طه:32)، فقد ارتقيا حتى أصبحا شركاء رسالة فيجب أن تقوموا بتقوية علاقاتكم بإخوتكم وأقاربكم.
عطاء وإخلاص سيدنا هارون:
سيدنا هارون كان يعطي ولا يأخذ ولا يعترض ولا يحتج، بل كان دائمًا سندًا لسيدنا موسى {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ...} (القصص:35) فكثيرٌ من الناس لا تقبل دور الرجل الثاني وآخرون يقبلون دور الرجل الثاني ويكون بداخلهم حرجٌ ما، فلا يقبل شخص دور الرجل الثاني بهذه الصورة إلا المخلص! فعندما ترك موسى بني إسرائيل وذهب لميقات ربِّه لمدة أربعين يومًا رفضوا أن يطيعوا أمر سيدنا هارون {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (طه:91) لأنهم كانوا يتعلقون بشخصٍ وليس بفكرة، كانوا يتعلقون بالقائد رقم واحد الذي رمى العصا ووقف أمام فرعون، أما سيدنا هارون فقد كان مخلصًا ومؤمنًا بهذه الرسالة فقاد دور الرجل الثاني بلا احتجاج وبلا اعتراض وبلا مشاكل، لذلك فقد تقاربا في المنزلة فمنزلة سيدنا هارون في السماء الخامسة وسيدنا موسى في السماء السادسة، نال سيدنا هارون هذه المنزلة لأنه شديد العطاء والإخلاص، فقد كان بنو إسرائيل يعلمون أن سيدنا هارون هو الرجل الثاني لذلك كانوا يحاولون الإيقاع بينه وبين سيدنا موسى فقالوا إن موسى لم يأخذ سيدنا هارون معه لميقات ربِّه لأنه يغار منه ولأن رب موسى يحب هارون أكثر من موسى، أيضًا عندما عاد موسى ورأى القوم يعبدون العجل قالوا له إن سيدنا هارون هو الذي أمرهم أن يعبدوا العجل فقد قالوا ذلك للإيقاع بينهم، ولذلك فقد كان القرآن واضحا لتبرئة هارون من الافتراء الكذب، وعندما رجع سيدنا موسى وأخذ بلحية سيدنا هارون وقال له {أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (طه:93) فأجاب سيدنا هارون {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (طه:94) وقال في آية أخرى {...قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء...} (الأعراف:150) فهذا يدل على أنه شديد الحنان والعطاء.
ذكريات سيدنا موسى وسيدنا هارون:
فذكريات سيدنا موسى وهارون ذكرياتٌ شديدةُ الجمال فقد وقفوا أمام فرعون سويًا وانتصروا سويًا وفرحوا سويًا وبكوا سويًا وعبدوا سويًا وسبحوا سويًا وقاموا بهداية الناس سويًا.
ما هي أحلى لحظة بين سيدنا موسى وسيدنا هارون؟ عندما رجع سيدنا موسى من الطور وبشَّر سيدنا هارون أن الله قبل أن يكون نبيًا.
ما هي أصعب لحظة؟ عندما وقفوا أمام فرعون سويًا
ما هي أقوى لحظة؟ عندما وقفوا أمام السحرة سويًا
ما هي أعزّ لحظة؟ عندما عبروا البحر سويًا
هذه قصة أخوّة نادرة في التاريخ وبطلها مع سيدنا موسى سيدنا هارون فهو البطل المخلص في الصفوف الخلفية بلا غيرة، وتظل هذه الذكريات حتى يموت سيدنا هارون، فآخر لقطة عندما قال الله لهم {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ...} (المائدة:21) فقال كلُّ بني إسرائيل {...إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24) فبدأ يقل عدد المقبلين على القتال حتى وصل إلى موسى وهارون فقط، فقال سيدنا موسى {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:25).
وفاة سيدنا هارون:
يموت سيدنا هارون ويدفنه سيدنا موسى بيديه فقد كان رفيق العمر والإصلاح والرسالة. إن معنى وفاة سيدنا هارون هو قرب أجل سيدنا موسى لأنهم شركاء في الرسالة. مات سيدنا هارون ودُفن في البتراء، فالبتراء بها جبلين عملاقين وبينهما شقٌّ طوله ما يقرب من نصف كيلو والجبلان متلاحمان ومتناسقان فلعل هذا المكان له شكل بين علاقة موسى وهارون ولعل الجبلين العملاقين هما موسى وهارون وعلاقتهما متلاحمة كتلاحم الجبلين لأن هذه هي شكل العلاقة بينهما.
يقال أن سيدنا هارون دُفن في هذا المكان المتسع في نهاية الممر بين الجبلين المتعانقين بعد الخروج فورًا من الجبلين، فهو بين أحضان خمسة جبال ويقال أن هذا المكان اسمه "خزنة فرعون"، هذا شىء رهيبٌ وجميلٌ فسبحان الله.