الشاعر الشهيد محمد احمد عليان ابو لبن
شمعة فلسطينية لن تنطفئ بقلم:بهاء ابو لبن
بسم الله الرحمن الرحيم
في ليلة غاب فيها القمر عن شعب ذاق مرارة القدر وجبروت العالم وظلم البشر ... في سنة أشتهرت عبر تاريخ شعبنا بأنها سنة " الثلجة الكبيرة" والتي أصبحت من معالم التاريخ المعاصر لشعبنا ووطننا بعد النكبة الكبرى ... ولد شاعرنا تحت ظلال خيمة صغيرة من خيام الأمم المتحدة التي إستبدلتها بالأرض والوطن ... ولد صاحبنا على ضوء السراج وعزف الرياح وهطول الثلج وإشتداد المطر .
جاء محمد رابع إخوته ليعيش تحت ظلال الخيام في مخيمات البؤس والشقاء ... عاش حافي القدمين عاري الجسم كأترابه في مخيمات الحرمان لا يلبس كأقرانه إلا ما يقيه البرد ويحميه من الحر ولا يأكل مثلهم إلا ما يقيم أوده ... ونما وترعرع ضعيف الجسم نحيل العود ودخل مدرسة مخيم الدهيشة الإعدادية وبدأت مشاعره تنمو من خلال أترابه الفقراء العراة البائسين ... ومرت الأيام سريعة لينهي الدراسة الإعدادية في مخيم الدهيشة ثم إنتقل إلى المرحلة الثانوية في مدرسة بيت لحم الثانوية ... وبدأت الأفكار تنتشر في هذه السن ... بدأ كغيره يفكر ويسأل ... لماذا .. ولماذا .. ولماذا ؟... ولكن دون جواب .
وفي هذه المرحلة بالذات وقع الإحتلال الصهيوني لكافة أرجاء فلسطين ... ضاع ما كان قد بقى منها ... وقع فريسة سهلة دون حرب أو قتال في يد العدو الصهيوني ... ضاعت القدس ... زهرة المدائن ... أسرت الخليل ... لحقت نابلس بيافا ... ورام الله بحيفا ... وأريحا ببئر السبع ... وراى علم العدو يرفرف على مؤسسات وطنه ومرافقه ... وأنهى المرحلة الثانوية في بيت لحم وكانت أمنيته الغالية البعيدة هي الدراسة الجامعية ولكن ضيق ذات اليد والعوز والحاجة حالا دون ذلك وحالا دون تحقيق الآمال والأمنيات ... فدخل في معهد قلنديا المهني لدراسة حساب المواصفات والكميات ... وهناك شاء القدر أن يلتقي بمجموعات من شباب وطنه من الضفة والقطاع وهناك بادلهم الأفكار ودار بينهم الحوار ... ومن ثم بدأ عمله النضالي سرا حتى عن أقرب الناس له وعن والديه وإخوانه وكل الأصدقاء فالأمر كان خطيرا والمخابرات الصهيونية كانت بالمرصاد وفي كل مكان ومضى في الطريق دون خوف أو وجل ... مضى في طريق البطولة والخطر ... طريق التضحية في سبيل الوطن .
قام بالعملية الأولى في ميدان المنارة في رام الله بإلقاء زجاجات حارقة على سيارة إحتلال ثم الثانية بتدمير نصب صهيوني قرب مخيم الدهيشة لقتلى من الصهاينة في حرب سنة 1948 وغيرها وغيرها ولقد ذكرت لائحة الإتهام الصهيونية التي قدمت ضده في المحكمة إحدى عشرة عملية كان أخرها وأخطرها أمام مدرسة مخيم الدهيشة بإلقاء قنبلة يدوية على دورية إحتلالية أصابت هدفها والتي على أثرها أسر مع مجموعة من زملائه ومن ثم محاكمته التي طلب فيها الإدعاء الحكم عليه بالمؤبد ونقل إلى معتقل عسقلان ... سجن في أرضه ... في وطنه ... على شواطئ بحر يافا وغزة ... بحر فلسطين ... وبيارات فلسطين ... وسهول فلسطين ... وفي هذه الفترة بالذات قصمت الأقدار ظهره وأدمت قلبه حيث قام الإحتلال بنسف بيته في مخيم الدهيشة ... موطن الذكريات ... ذكريات الأسرة والطفولة ... ذكريات الشباب ... ثم قامت المنية بإختطاف والده ولم يدخل العقد الخامس من عمره فكانت الضربة التي أدمت قلبه ولكنه تجرع الكأس حتى الثماله في جلد وصبر وإحتمال ومضت الأيام والسنوات ... سنوات الألم والحزن وما أبطأ سنوات الحزن وأطول أيام الألم ولياليه ... مضت السنوات بما فيها من ألم ومعاناه ... إضرابات وإعتصامات ... ولكن الذي كان يخفف الأم والمعاناه هو اللقاء مع الرجال والحوار مع الأبطال والإجتماع بصناع التاريخ خلف القضبان حيث قامت ونشأت الصدامات الحقيقية وما كان يخفف من ألمهم جميعا أخبار النضال وعمليات المقاومة وإنتصارات الفدائيين في ساحات الضفة وقطاع غزة رغم تساقط الشهداء كنجوم السماء وهناك صدر ديوانه الأول في عسقلان " أيام منسية خلف القضبان " بعد الإضراب المشهور عن الطعام إضراب الأربعين يوما ومن ثم نقل أمنيا إلى سجون جنين ونابلس وجنيد وفي جنين صدر ديوانه الثاني " صبرا يا ملك الموت – في مضافة فرحان السعدي " في جنين .. نعم في جنين مسقط رأس الشهيد فرحان السعدي وساحة إستشهاده ... البطل العجوز الذي أعدم صائما في الثمانين من عمره على يد الإنجليز ... ثم جنيد الديوان الثالث ثم الرابع " صوت بلادي " حيث إستمع إلى إذاعة صوت فلسطين في الأسر لأول مرة.
ثم " خذني حجرا في كفك " مشاركة معنوية في إنتفاضة الحجارة ولم تستطع سلطات الإحتلال صبرا على شعره ولا على دواوينه التي دخلت سرا إلى المعتقلات فقامت بإبعاده إلى الأردن بالعام 1985 وعاش هناك يعمل في سفارة فلسطين في الأردن فاتحا صدره لكل أبناء وطنه ومساعدا لكل محتاج للمساعدة من علاج أو تعليم أو سفر أو حقوق وهناك قدم الخدمات الصادقة لشعبه وهناك شاء القدر أن يتزوج من إحدى قريباته وأن ينجب " مجد الإبنة الأولى ثم معتز ثم منتصر " ... وعندما عادت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن إستطاع إستعادة هويته وحقه في العودة إلى وطنه وإستطاع العودة إلى أرض الوطن إلى مسقط رأسه عدة مرات كزيارة تاره وأعمال رسمية ضمن عمله تارة أخرى ...
زار قبر والده وشارك في جنازة والدته وزار مراتع الطفولة والشباب كما وقف على أطلال بيته المهدم ومازال على رأس عمله حتى خطفته يد المنون بعد صراع مع المرض لم يدم طويلا ... وهنا رحل بعد أن أوصى أن يدفن في تراب وطنه ... وعاد هذه المرة ولكن كانت روحه قد سبقته ... فعاد ملفوفا بعلم وطنه وفي إستقبال جليل رسمي وشعبي وعسكري وذلك هو ما يستحقه كل مناضل ومواطن شريف ... قدم حياته وشبابه فداء لوطنه واهله وشعبه .
في هذا اليوم الاسود الموافق 27/12/2008
اسرائيل استهدفت المواقع المدنية والمدنيين
كانت حصيلة قتلى هذه العملية ما لا يقل عن 1200 شهيد توزعوا كالتالي:
...437 طفل أعمارهم أقل من 16 عاماً،
110 من النساء،
123 من كبار السن،
14 من الطواقم الطبية،
4 صحفيين.