تاريخ النشر : 2011-08-25 دنيا الوطن
شعلة في سبيل الخالدين
بقلم /نضال جودة
ونحن نحيي الذكرى السنوية لاستشهاد القائد الوطني الكبير أبو علي مصطفى، لا يغيب عن ناظرنا ذلك المشهد القاسي الذي ابتكره فاشيون متعطشون للدماء ، مُجرمون تدربوا عقودا طويلة على أساليب الإرهاب المختلفة، منذ تشكيل عصابات (الهاغاناه) وغيرها من المنظمات الصهيونية التي عملت على ملاحقة ومطاردة قيادات الشعب الفلسطيني و تصفيتهم جسديا. حيث تكرر هذا المشهد ولكن هذه المرة بأسلوب مختلف ولكن الهدف واحد هو القتل والتصفية الجسدية .
الاثنين السابع والعشرين من آب 2001، ، أطلقت طائرات العدو الصهيوني الأميركية الصنع من طراز أباتشي صواريخها نحو مقر قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في رام الله مستهدفة أمينها العام أبو علي مصطفى فأودت بحياته بينما كان يجلس وراء مكتبه..
وفي تبرير لعملهم الإرهابي ركز قادة العدو الصهيوني على دور أبو علي العسكري واتهموه بأنه أشرف على تنظيم الهجمات المسلحة التي تشنها الجبهة الشعبية ضد عسكريين ومدنيين إسرائيليين. وقال هؤلاء : "إن أبا علي مصطفى هو الذي ينظّم عمليات السيارات المفخخة". وقد تمادى الصهاينة في الاتهام، فزعموا أن الرجل كان حين اغتياله منصرفاً لتنظيم عمليات تستهدف حتى تلاميذ المدارس الإسرائيليين.
غير أن ما تسرب من حقائق عن عملية الاغتيال عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية وغيرها أظهر أن القرار اتخذ في المستوى السياسي وليس الأمني وقد انفرد باتخاذه الإرهابيان أرئيل شارون ووزير حربه بنيامين بن أليعازر وحدهما.
في سياق منهجية صهيونية تعمل على إفراغ الساحة الوطنية الفلسطينية في الخارج والداخل من رموز المقاومة الوطنية و تدمير الحركة الوطنية الفلسطينية .
ولأنه كان من الصعب دوما تحديد سقف أو خط أحمر لسياسة القتل والإرهاب الصهيوني ، كانت الدهشة والمفاجأة باستهداف قائد من الصف السياسي الأول له قامة أبي علي مصطفى ومكانته الوطنية والعربية والدولية. وسجل أسم أبو علي في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني كأول أمين عام لفصيل فلسطيني تغتاله عصابات الإرهاب الصهيوني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويليه سجل أسم الشيخ أحمد ياسين زعيم حركة حماس . و قبله، خارج أرض الوطن ، سقط فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين..
ولكن لما الدهشة والمفاجأة؟! فالرجل في حسابات قادة العدو الصهيوني كان متهما بإخفاء نواياه. وكانوا ينظرون إليه، كما ينظرون إلى رجل يشتبه بأنه يعد سرا عبوة قاتلة، وينتظر موعد زرعها في المكان والزمان الملائمين. والإرهابي شارون نفسه كان يعرف قصة الرجل، الذي اتهم بأنه محرك الخيوط القاتلة ، ومحرك «جيفارا غزة» ورفاقه، وقد تولى شارون، شخصيا، في نهاية الستينات، الإشراف على تصفية هؤلاء، ولم تكن تقديرات الإسرائيليين خاطئة فـ«أبو علي» مصطفى رفض في الواقع إعادة النظر في مساحة خريطة فلسطين، التي كانت هاجسه الدائم، ويوم قرر في عام 1999، الذهاب إلى مناطق السلطة، اختار أن ينطلق من الوقائع التي أوجدتها الاتفاقات المذلة ، لإعادة إشعال الحلم السابق لها. كان شارون يعرف أن رفيق الشهداء جورج حبش ووديع حداد ومحمد الأسود «جيفارا غزة» لن يوقع على سلام منقوص أو يوطن نفسه على التعايش مع المستوطنات، عاد ليزرع النار وليستنهض جيلا جديدا في أرضه وبين شعبه .
ثائر من عرابة...
في عام 1938 إبان اشتعال الثورة الفلسطينية الوطنية الكبرى، (ثورة 1936ـ 1939) ، ولد في قرية عرابة قضاء مدينة جنين الواقعة عند رأس المثلث الجنوبي لسهل مرج ابن عامر. طفل أطلق عليه اسم "مصطفى علي العلي الزبري" لتعلن الأرض عن ميلاد رجل حمل على عاتقه هموم الناس وآلامهم .
وقد شهدت المنطقة التي ولد فيها سلسلة من أشدّ وقائع الثورة الفلسطينية سخونة. وكان والد مصطفى واحداً من الثوريين الذين نظمهم في أوائل ثلاثينات القرن العشرين عزّ الدين القسام. وقد تشرب الوالد الأريج الثوري الذي عمّ البلاد ، وبدأت حياته تبنى على تحليل الأمور والوعي المسبق للأمور في التحليل للوصول للحقيقة ، فذاق مرارة سجون الانتداب البريطاني دون أن تثنيه عن الاستمرار في نشاطه الثوري. وكما وقع الكثيرين من أبناء جيله، تشرب الطفل مصطفى هذه الأجواء وتمرس منذ نشأته الأولى على مكابدة الأهوال. وعندما حلت نكبة 1948 ووقعت عرّابة قرب خط الهدنة بما يقترن بهذا الوضع من منغصات لا حصر لها وانحدرت أحوال الفلسطينيين إلى ما دون الصفر، توجب على ابن العاشرة أن يعمل مع أبيه في الزراعة ليساهم في إعالة الأسرة. ثم عندما تعذر تدبير لقمة العيش دون تنغيص، انتقلت الأسرة إلى عمان وذلك في العام 1950، أي بعد أن صارت الضفة الفلسطينية جزءاً من المملكة الأردنية وصار اسمها الضفة الغربية. وفي عمان،اضطر ابن العاشرة إلى العمل في مهن شتى كانت كلها قاسية. وبهذا أيضاً، وقع لمصطفى الزبري ما وقع لكثيرين من أبناء جيله: مكابدة قسوة النكبة ومرارات اللجوء والاضطرار إلى التوقف عن متابعة التعليم المدرسي والالتحاق المبكر بسوق العمل القاسي حتى يتيح الفرصة لإخوانه الآخرين كي يواصلوا تعليمهم.
والتحق أبو علي مصطفى بالعمل الفدائي مبكراً حيث ساهم في تأسيس الجبهة الشعبية وفي قيادة جناحها العسكري، انتسب إلى حركة القوميين العرب عام 1955 وتعرف إلى بعض أعضائها من خلال عضويته في النادي القومي العربي في عمان (نادي رياضي ثقافي اجتماعي).
شارك وزملاؤه في الحركة والنادي في نضال الحركة الوطنية الأردنية ضد الأحلاف الغربية، ومن أجل إلغاء المعاهدة البريطانية - الأردنية وتعريب قيادة الجيش العربي (الأردني) وطرد الضباط الإنكليز من قيادته وعلى رأسهم (غلوب باشا), اعتقل في نيسان (أبريل) 1957 إثر إعلان الأحكام العرفية في الأردن وإقالة حكومة سليمان النابلسي ومنع الأحزاب السياسية من نشاطها السياسي، كما اعتقل عدد من ناشطي الحركة آنذاك، واستمر اعتقالهم بضعة شهور، ثم أطلق سراحهم، قبل أن يُعاد اعتقالهم بعد أقل من شهر وتقديمهم لمحكمة عسكرية بتهمة مناهضة النظام والقيام بنشاطات ممنوعة والتحريض على السلطة وإصدار النشرات والدعوة إلى العصيان, صدر عليه حكم بالسجن خمسة أعوام أمضاها في معتقل (الجفر) الصحراوي. أُطلق سراحه في نهاية عام 1961، وعاد إلى ممارسة نشاطه في حركة القوميين العرب، فأصبح مسئول شمال الضفة الغربية، حيث أنشأ منظمتين للحركة، الأولى للعمل الشعبي والثانية عسكرية سرية. في عام 1965 ذهب في دورة عسكرية سرية (لتخريج ضباط فدائيين) في مدرسة (أنشاص) الحربية في مصر، وعاد منها ليتولى تشكيل مجموعات فدائية، وأصبح عضواً في قيادة العمل الخاص في إقليم الحركة الفلسطيني. اعتُقل في حملة واسعة نفذها الأمن الأردني ضد ناشطي الأحزاب والحركات الوطنية والفدائية في عام 1966، وأُوقف إدارياً بضعة شهور في سجن الزرقاء العسكري، ثم في مقر مخابرات عمان، إلى أن أُطلق سراحه مع زملاء آخرين دون محاكمة. عقب حرب حزيران (يونيو) عام 1967 اتصل وعدد من رفاقه في الحركة مع الدكتور جورج حبش لاستئناف العمل والتأسيس لمرحلة الكفاح المسلح، وكان أحد مؤسسي هذه المرحلة حين انطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ومنذ ذلك التاريخ ارتبط اسمه بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
دور ريادي في قيادة العمل العسكري
مع بروز البدايات العملية للمقاومة الفلسطينية على يد قوى ومجموعات فلسطينية بداية الستينات. عقدت حركة القوميين العرب مؤتمرها في بيروت في نيسان/أبريل 1963 ، وفيه دعت الحركة إلى تأسيس الجناح العسكري الفلسطيني ، من رحم الحركة بمشاركة بعض المجموعات الفلسطينية. إذ كانت قيادة حركة القوميين العرب قد اتخذت قرارها عام 1960 بـتكوين جهاز فلسطيني خاص عرف باسم (إقليم فلسطين)، وجرى الأمر عام 1964 من خلال فرز كادرات هذا الإقليم من الفلسطينيين المنتمين للحركة من مختلف مناطق وجودهم، وجرى بعد ذلك عقد مؤتمر لإقليم فلسطين في منطقة غور الجفتلك، وكان من أبرز حضوره كل من الشهيدين الدكتور وديع حداد، و أبوعلي مصطفى، وتم البدء العملي باتخاذ خطوات الإعداد للعمل الفدائي المسلح، ونفذت أولى العمليات الفدائية للجناح العسكري الفلسطيني لحركة القوميين العرب شمال فلسطين في الجليل الأعلى 21/10/1966، واستشهد منفذوها الأربعة.
و في أواخر سنة 1966 شكلت حركة القوميين العرب في مخيمات لبنان نوى عسكرية فدائية مقاتلة من كوادر وإطارات الحركة واللاجئين المقيمين في سوريا ولبنان ، وفي الوقت الذي تسارعت فيها أحداث الدخول القوي لتنظيم إقليم فلسطين في حركة القوميين العرب في التوجه نحو العمل الفدائي المقاوم بعد حرب 1967 ونتائجها الكارثية، أعلن الدكتور جورج حبش انطلاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 11/12/1967، عبر بيانها التأسيسي الموجه إلى الشعب الفلسطيني والأمة العربية، والداعي (لإعلان الكفاح المسلح والاستمرار فيه رغم كل الصعاب)، وإلى اعتماد (لغة العنف الثوري ضد الاحتلال)، مركزاً على أهمية العمل في الداخل الفلسطيني، وعلى تكريس شعار (نموت ولا نهاجر) ، وهكذا كانت الانطلاقة المسلحة للجبهة الشعبية .
وقاد أبو علي مصطفى الدوريات الأولى نحو فلسطين عبر نهر الأردن لإعادة بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية وتنسيق النشاطات بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فلاحقته قوات الاحتلال، واختفى بضعة شهور في الضفة الغربية في بدايات التأسيس. وتولى مسؤولية الداخل في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثم أصبح المسئول العسكري لقوات الجبهة في الأردن إلى عام 1971، وكان قائدها أثناء معارك المقاومة في سنواتها الأولى ضد الاحتلال، كما كان قائدها في أحداث أيلول (سبتمبر) 1970 والأحداث التي وقعت في جرش وعجلون في الأردن في تموز (يوليو) 1971. غادر الأردن سراً إلى لبنان إثر القضاء على ظاهرة المقاومة الفلسطينية المسلحة في الأردن عقب أحداث تموز (يوليو) 1971.
وقد لعبت الجبهة الشعبية دوراً كبيراً في مسار الثورة الفلسطينية المعاصرة، واتخذت مواقف متشددة في اللحظات التي رأت فيها بأن القضية الفلسطينية أصبحت على ميزان المساومة خصوصاً بعد حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، فساهمت بتشكيل وقيادة (جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية). وفي هذا السياق تبوأت الجبهة الشعبية الموقع الثاني في ترتيب القوى الفلسطينية من حيث الحضور والفعل والتأثير، حيث لعبت شخصية الدكتور جورج حبش، والكاريزما العالية التي تمتع ويتمتع بها في الشارع الفلسطيني، إضافة إلى مناقبيته العالية، دوراً هاماً في تقديم الصورة الإيجابية والحضور المتميز للجبهة الشعبية.
و يسجل للجبهة الشعبية في الجانب العسكري ، دورها الرائد في الدفاع عن الثورة والشعب الفلسطيني في الأردن ولبنان، وفي النهوض الكبير لقوى المقاومة في فلسطين وساحة الصراع انطلاقاً من الحزام المحيط بفلسطين. ففي لبنان كان لتنظيم الجبهة الشعبية دورٌ رئيسٌ في الدفاع عن المخيمات خصوصاً في مخيم تل الزعتر بقيادة عضو اللجنة المركزية الشهيد أبو أمل، وإبان اجتياحات 1978، 1982، وفي التصدي للاحتلال أعوام 1983، 1984، 1985 ودحره من بيروت والجبل وصيدا.
و استطاعت الجبهة الشعبية، القيام ببعض العمليات النوعية من أجل لفت انتباه العالم لقضية فلسطين التي كادت أن تنسى، فقد نفذت الجبهة أول عملية خطف لطائرة صهيونية يوم 23/7/1968 كانت متجهة من روما إلى تل أبيب، وأجبرتها على الهبوط في الجزائر، واضطرت إسرائيل للإفراج عن 37 أسيراً فلسطينياً مقابل إطلاق الطائرة. ونفذت أيضاً عملية فندق الامبسادور في 22/6/ 1968 من خلال تفجير حقيبة، وعملية السوق (السوبر سول) وسط القدس الغربية عام 1969، كما نفذت الجبهة الشعبية عملية نسف سينما حين وسط تل أبيب عام 1974. ووجهت الجبهة الشعبية ضربات عسكرية إلى المصالح الأمريكية كعملية تفجير خط أنابيب النفط المارة من الجولان السوري المحتل، ونسف ناقلة النفط الإسرائيلية كورال سي في مضيق باب المندب عام 1971، وتوجت جملة من العمليات الخارجية، بعملية اختطاف الطائرات الأربع إلى مطار المفرق (مطار الثورة) في الأردن ونسفها بعد إجلاء الرهائن من داخلها، إضافة إلى عملية مطار اللد في 13/5/1972التي نفذها ثلاثة من أعضاء الجيش الأحمر الياباني المنضوين في إطار الجبهة الشعبية وعلى رأسهم كوزو أكوموتو.
في عام 1972 انتُخب أبو علي مصطفى في المؤتمر الوطني الثالث للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نائباً للأمين العام الدكتور جورج حبش. وفي العام 1978 انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية وظل فيها حتى العام 1991 ، حين اقتضى مرض الأمين العام للجبهة أن يتولى أبو علي مزيداً من المسؤوليات فيها فأضطر إلى التخلي عن عضوية اللجنة التنفيذية.
وتولى مسؤولياته كاملة كنائب للأمين العام حتى عام 2000، و في 8 تموز (يوليو) 2000 انتُخب أميناً عاما خلفاً للقائد المؤسس حكيم الثورة الراحل جورج حبش، الذي قدم استقالته فاتحاً المجال للجيل الجديد من الدماء الشابة في مختلف هيئات الجبهة الشعبية، مع استمراره في موقعه المعنوي كمؤسس للجبهة الشعبية.
و منذ أن صار أبو علي رجل الجبهة الشعبية الأول دون منازع. هنا، يجدر التنويه بأن الرجل جاء إلى هذا الموقع بعد أن توفرت له خبرة عميقة ومديدة في الاضطلاع بمسؤوليات قيادية من الدرجة الأولى، وهو يكاد يكون الوحيد بين الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الفدائية الذي تمتع بهذه الميزة. فإذا أضفنا ميزته هذه إلى المزايا الأخرى، أمكن أن نفهم كيف اختير أبو علي لموقع الأمانة العامة ليس من أجل ملء فراغ طرأ أو الموازنة بين تكتلات لم تتفق على سواه، بل تتويجاً لتطورات تفاعلت على مدى سنوات وكان له هو دور كبير في الحفز عليها ودفع جبهته في اتجاهها. بهذا المعنى، يصح القول بأن أبا علي كان رجلاً أولّ حتى قبل أن يشغل الموقع التنظيمي الأول. وبأولويته، حتى حين كان في الموقع التنظيمي الثاني، تميز أبو علي بحرصه الشديد على دوره محاوراً وطنياً. وقد تجلت أهمية هذا الدور أشدّ ما تجلت في السنوات العشر الأخيرة. فانقسام الصف الوطني إثر توقيع قيادة منظمة التحرير المتنفذة . أو فريق الأغلبية في هذه القيادة على اتفاق أوسلو المشئوم كان من شأنه أن يؤبد التنابذ بين قابلي الاتفاق ورافضيه. ولقد جرت بالفعل محاولات جادة لإنشاء قيادة وطنية موازية تصطرع مع قيادة المنظمة. التي وقعت على الاتفاق. غير أن وجود قادة في الفريق المعارض لهم طبيعة أبي علي الحوارية ووجوده هو بالذات في موقع التأثير على سياسة جبهته وغيرها لعبا دوراً حاسماً في التقليل من أذى التنابذ وإعادة الاعتبار إلى نهج التحاور.
وفي يوم 30 أيلول (سبتمبر) 1999. وبعد غياب قسري أستمر لمدة 32 عاماً عاد أبو علي مصطفى إلى فلسطين ، وقد تعددت الآراء والمواقف التي رحبت والأخرى التي لم ترحب بعودته من باب أوسلو وبوساطة نهجها المهزوم والمأزوم، فرفع شعار (عدنا لنقاوم لا لنساوم) وترجمه فعلاً ولم يتركه مجرد شعارٍ يحلق في الفضاء.
كتائب الشهيد أبوعلي مصطفى
قبل اغتيال أبو علي مصطفي كان الجناح العسكري للجبهة الشعبية يعمل منذ بدء الانتفاضة باسم قوات المقاومة الشعبية، وشهدت له الانتفاضة عدة عمليات نوعية مثل تفجير السيارات في القدس وتل أبيب ومطار اللد و أسفل سجن مجدو والعديد من عمليات تفجير السيارات و بعدها بدأ الجناح في ضرب المستوطنات الصهيونية في غزة والضفة الغربية بواسطة الاقتحام وإطلاق القنابل والرصاص ثم أدخل دخلة نوعية للمقاومة الفلسطينية عندما كان الجناح العسكري للجبهة أول من أطلق الهاون في غزة.
وبعد اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى، أعلنت الجبهة الشعبية عن تغيير اسم جناحها العسكري إلى كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، وأنذر قائدها العسكري عاهد أبو غلمة بأن الرد على اغتيال القائد أبو علي سيكون موجعا جداً، ولم يسبق له مثيل و ما إن أقدمت الجبهة على انتخاب أحمد سعدات أمين عام لها، وكان هذا رداً ذا مغزى أولاً لتاريخ أحمد سعدات الشديد الصلابة في مقارعة الصهاينة في السجون في فترات اعتقاله التي فاقت 14 مرة، وثانياً في التأكيد بأن الجبهة الشعبية قادرة على النهوض مع فقدانها لقائدها الأول الشهيد أبو علي مصطفى
بعد أقل من شهرين من اغتيال الشهيد أبوعلي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية في رام الله على يد عصابات الاحتلال، وانتخاب الرفيق أحمد سعدات أمينا عاما للجبهة الشعبية. والذي ما إن انتخب وأقيم حفل تأبين مركزي للشهيد أبوعلي في رام الله حتى وجه كلمة الانطلاق لوحدة الشهيد وديع حداد عندما قال :" العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس"، فكان أن تمت تصفية الإرهابي الجنرال رحبعام زئيفي.
وفي حياته كلها، امتاز الرجل بالصدق واستقامة السلوك ونظافة اليد واللسان، كما امتاز بتخصيصه وقته وجهده كلهما للعمل العام. وإذا استحضر أيما فلسطيني أياُ كان لونه السياسي أسماء القادة الذين حظوا بالاحترام من مؤيديهم ومخالفيهم على حد سواء، فلابد من أن يرد اسم أبو علي مصطفى في المقدمة. والأمر لا يتعلق هنا بتوفر الاحترام، وحده، بل بما أمكن للرجل أن يفعله بسبب تمتعه بهذه المزيّة. وغني عن البيان أن تمتع أي قائد بالمصداقية يشكل عاملاً ذو تأثير كبير في زيادة فعاليته في العمل العام.
و كان أبو علي مدافعاً أميناً عن قضايا شعبه، وفي مقدمتها قضية حق العودة، عودة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني إلى وطنهم وديارهم التي شردوا منها. لا يسمح لأحد أن يجعل من هذا الحق موضع مساومة وتنازل.
وعلى مدى هذه السنين والعقود.