فلسطين عبر التاريخ ـــ عبد الرحمن المزين
بعد أن اغتصب الصهاينة أرض فلسطين.. عمدوا إلى طمس تاريخها وسرقة تراثها...
فقد أقاموا في عواصم أوروبا والأميركيتين، معارض لأزيائنا الشعبية المطرزة، وفنوننا التطبيقية المتمثلة في فن الزجاج والفخار والصدفيات والمنحوتات الخشبية والنحاسيات. كما أقاموا المهرجانات والحفلات لرقصاتنا الشعبية "الدبكة" والأغنية والموسيقى الشعبية ونسبوا كل ذلك بالزيف والتضليل لأنفسهم.
ورداً على ادعاءات الصهاينة نورد الحقائق التاريخية الأثرية على هذه الصفحات.
فلسطين خلال العصر الحجري القديم
يستفاد من علم الجيولوجيا أن حقب الحياة الحديثة(1) في فلسطين قد بدأت منذ نحو خمسين مليون سنة ويشير بعضهم أنها بدأت منذ سبعين مليون سنة. وقد كانت تغطيها المياه، ومن ثم أخذت أرض فلسطين ترتفع نسبياً عن سطح المياه، ومنذ قرابة مليوني سنة على الأقل حدث شق أرضي كبير في القشرة الأرضية بفلسطين، فتكونت بذلك مرتفعات فلسطين، ونهر الأردن وبحيرة طبرية والحولة والبحر الميت، ويعتقد الجيولوجيون أيضاً أنه كان هناك اتصال بين البحر الميت ووادي الأردن على شكل بحيرة أو خليج، وفي العصور المطيرة انقطع هذا الاتصال فقام البحر الميت.
ولبيان الجهود الجبارة والمحاولات الأولى لإنسان فلسطين للتغلب على ما حوله من قوى الطبيعة، لا بد لنا من عرض كل مرحلة من مراحل العصر الحجري القديم على حدة كما هو آت:
أولاً- مرحلة العصر الحجري القديم الأسفل(2):
كان إنسان فلسطين في هذه المرحلة بدائياً يعيش داخل الكهوف المتعددة، التي تميزت بكثرتها في البيئة الفلسطينية، وكان يسكن هذه الكهوف هرباً من الأمطار الغزيرة من ناحية، وهرباً من الحيوانات من ناحية أخرى. وقد عثر على آثار هذه الحيوانات داخل حفائر الكهوف في (المنسوب) الأرضي لها وهي الكركدن والفيل وفرس النهر والخراتيت والجواميس النهرية وثيران الكهوف، وقد كان يصطاد هذه الحيوانات من أجل غرضين الأكل والملبس وربما كان يفضل لحوم بعضها على بعضها الآخر.
وقد عثر المنقبون على أدوات حجرية قام إنسان فلسطين بصنعها من حجارة المنطقة، وتاريخها يعود إلى 280000 سنة، وهي تتألف من أدوات وأسلحة، كان يستخدمها إنسان فلسطين في هذه المرحلة كفؤوس يدوية أو مكاشط أو سواطير. وهذه الأدوات عثر عليها في أماكن متعددة من كهوف فلسطين، منها كهوف جبل الكرمل.
وقد قامت بالحفائر فيه الآنسة (دورثي جارود، ود. بيت) كذلك في حضارة أم قطفة التي تقع في شمال غربي البحر الميت وقد اكتشفها "رينه نوفيل"، كما عثر أيضاً على أدوات حجرية في مغارة الزطية شمالي غربي بحيرة طبرية، وقد اكتشفها "تول فيل بيتر".
وأهم هذه الأدوات الحجرية الصوانية نوعان:
النوع الأول: الفاس اليدوية- ويطلق عليها بعض العلماء "قبضة اليد" وهي تتألف من كتلة حجرية مكونة من لب حجر الصوان، بحيث يمكن للإنسان إمساكها بقبضة اليد واستعمالها.
النوع الثاني: البلطات اليدوية- وقد عثر المنقبون على أعداد كثير منها، في مناطق متعددة من فلسطين، منها مجرى نهر الأردن، وشمال بحيرة طبرية، وقد صورت البلطة اليدوية على شكلين: بيضاوي ومثلث.
ويذكر علماء الآثار أن أدوات هذه المرحلة قد اتبع في صنعها طريقة خاصة وهي تسمى لديهم بطريقة "القلب أو اللب".
وقد عرف إنسان فلسطين في هذه المرحلة الموغلة في القدم "استخدام النار" فقد عثر المنقبون في أحد كهوف الكرمل وهو مغارة الطابون، في أسفل طبقة، على بقايا النار وتعود إلى 150000 سنة ق.م. وهي من أخشاب السنديان والطرفاء والكرمة والزيتون(3). وقد تم ذلك بفضل الآنسة "دوروثي جارود، ود بيت).
ثانياً- العصر الحجري القديم الأوسط(4):
أخذ جو فلسطين في هذه المرحلة يتجه نحو الجفاف، وذلك بين دورين ممطرين، ولكن الجو مع ذلك كان دافئاً جافاً، كما أن الأنهار كانت أكثر عرضاً منها الآن إذ أنها كانت مملوءة بالماء، وتبدو في عرضها وكأنها مستنقعات. كما أن هناك مساحات واسعة مغطاة بالأشجار والحراج. ولكن في نهاية هذا العصر هطلت أمطار غزيرة، لذلك فإن الإنسان لم يترك البيوت الطبيعية وهي المغارات والكهوف، يدل على ذلك الحفائر الأثرية، حيث عثرت الآنسة دوروثي جارود، ود. بيت، على أقدم بقايا الهياكل العظمية البشرية، وذلك في منطقة الشرق الأدنى القديم حيث يعود تاريخها إلى 100000 سنة على الأقل. وقد عثر رينه نوفيل عام 1934م في جبل القفزة في كهف يقع في جنوب الناصرة على بقايا هياكل عظمية وتفيد هذه الاكتشافات أن الهياكل العظيمة هذه، ذات أهمية فهي تنحدر من النوع المعروف النياندرتالي(5)، حتى تصل إلى أشكال تكاد تكون هي الإنسان الحديث، كما أن هياكل جبل الكرمل تميزت بأنها لها صفات تشريحية مثل الإنسان الحديث الأول، ويوضح بعض الباحثين أن إنسان جبل الكرمل، يمثل مرحلة الإنسان الحديث الأول. وأصحاب هذه الهياكل عاشوا داخل الكهوف اتقاء للمطر والحيوانات المتوحشة التي كانت تغص بها أحراج فلسطين الكثيفة في ذلك الوقت، وقد كان يعتمد في غذائه على التقاط الفواكه والثمار والأعشاب، وربما كانت تقوم بهذا الواجب النساء. أما الرجال فكانوا يصيدون الحيوانات، لأن مهمة الصيد صعبة. وقد عثر على بعض عظام حيوانات تلك المرحلة داخل الكهوف، ومنها الغزال والضبع المرقط والدب والحمل وخنزير النهر والوعل والكركدن وفرس النهر وقد عثر على عظامها داخل حفائر الكهوف. وتفيدنا هذه الحفائر أن الحضارة في هذه المرحلة كانت داخل الكهوف. وقد عثر على عدة طبقات تفيد أن هناك حضارات متتالية قامت داخل الكهوف، وتتمثل هذه الحضارات البدائية في الأدوات الحجرية الصوانية، وتعرف لدى علماء الآثار باسم الأدوات المشظاة. وتتكون من أدوات مشظيات تكون حوافها الخارجية غالباً حادة إلى حد كبير، وقد استخدموها كأدوات لتقطيع اللحوم وسلخ جلود الحيوانات بل وفي تخريم جلودها وتقطيع شرائح منها واستخدامها كخيوط لحياكة الملابس الجلدية.
ومن أدوات هذه المرحلة البلطات اليدوية والمطارق والسواطير والسكاكين وأدوات تخريم الجلود.
ثالثاً- العصر الحجري القديم الأعلى(6):
يعود تاريخ هذا العصر إلى (3500 حتى 15000 سنة)، وقد تزايدت نسبة الجفاف فيه، وأصبح المناخ عامة قريباً من المناخ المعروف اليوم بمناخ البحر المتوسط، وقد امتد حتى نهاية هذه الفترة، وكان إنسان فلسطين في هذه المرحلة يعيش داخل الكهوف، وقد اكتشفت آثاره في مناطق متعددة أهمها كهف الأميرة، وذلك بالقرب من بحيرة طبرية وقد اكتشفه تروفيل بيتر، في كهف مغارة الوادي قرب الطرف الغربي الكرمل. وقد عرف إنسان هذه المرحلة استخدام النار، حيث عثر على بقايا من أخشاب النار، ودل تركيبها أنها كانت من السنديان والطرفاء والكرمة والزيتون، وقد عثرت عليها الآنسة دورثي جارود وبيت وأدوات هذه المرحلة "الأسلحة النصلية" ويطلق عليها علماء الآثار، الأدوات والأسلحة الميكروليتية، أي الأدوات الدقيقة، وتتميز بأنها صغيرة الحجم وسهلة الحمل، كما تعرف بتعدد أشكالها. وقد عثر المنقبون أيضاً على أدوات وأسلحة تعود إلى هذه المرحلة في مناطق متعددة من فلسطين، منها كهف القفزة بالقرب من الناصرة، وتتمثل الأعمال الفنية الحجرية هذه بكتل مربعة ذات حد ونصال رفيعة طويلة، بأدوات مسننة، ومكاشط خرطومية. كما عثر على إفريز من حيوانات ما قبل التريخ في أم قطفه.
إنني أعتقد بأن كهف أم قطفة كان مكان عبادة لإجراء (طقوس) سحرية أمام ذلك الرسم قبل قيامهم برحلة الصيد، وضمن هذه (الطقوس) كان هناك رقص تعبيري تمثيلي. كما أن رسمهم لهذه الحيونات، كان لاعتقاد أنه عند رسمهم لها يمكنهم السيطرة عليها، وهذا الأسلوب اتبع في حضارات العالم القديمة والتي ظهرت داخل الكهوف ويطلق العلماء على هذه الطريقة اسم التطابق والتشابه.
ومع نهاية مرحلة العصر الحجري القديم الأعلى تبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة العصر الحجري المتوسط. وقد عرف فيها إنسان فلسطين الاستقرار والزراعة إلى جانب الصيد.
أهم المراجع:
(1)-للاستفادة: راجع محاضرات التكنولوجيا، للدكتور زكي اسكندر، كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية، قسم الدراسات العليا عام 71-1972م.
آثار فلسطين، للدكتور وليم ف. أولبرت مترجم، ص 54، 55. وللتوسع في تاريخ الأرض الجيولوجي راجع: الموسوعة الذهبية، المجلد الثاني ص 269، كذلك الموسوعة الذهبية المجلد الثالث، ص 419 إلى 424، الناشر مؤسسة سجل العرب 1971م.
(2)-د. وليم ف. أولبريت، آثار فلسطين مترجم، ص 57.
د. فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الجزء الأول، مترجم من ص 7 إلى 13.
د. جيمس هنري برستد، انتصار الحضارة، مترجم ص 41.
(3)-د. فيليب حتي، تاريخ لبنان، مترجم ص 58، دار الثقافة بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1972م.
(4)-د. نجيب ميخائيل إبراهيم، مصر والشرق الأدنى القديم، رقم (3)، ص 38 دار المعارف بمصر عام 1966م، الطبعة الثالثة.
د. فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، مترجم الجزء الأول، ص 10 إلى 13.
د. وليم ف. أولبريت، آثار فلسطين، مترجم، ص 58.
(5)-نسبة إلى موقع أثري في ألمانيا اسمه "نياندرثال" حيث عثر على هياكل عظمية لأول مرة بالقرب من دسلدورف في ألمانيا عام 1856م، راجع المعرفة، المجلد الأول، ص 146، مترجم، الناشر شركة ترادكسيم، جنيف، سويسرا.
(6)-د. أنور الرفاعي، قصة الحضارة في الوطن العربي الكبير، ص 75، 76.
د. نجيب ميخائيل إبراهيم، مصر والشرق الأدنى القديم، رقم (3) الطبعة الثالثة 1966م، دار المعارف، ص 39.
((الباب الثاني))
فلسطين خلال العصر الحجري المتوسط
بدأت حضارة العصر الحجري المتوسط في فلسطين منذ 12000 سنة قبل الميلاد، ودامت حتى 6800 قبل الميلاد، ومن أهم مواقعها الأثرية: مغارة الوادي والخيام والوعد وكباران والشقبة وقرى عين ملاحة شمال غربي بحيرة طبرية، وقد كشف عنها (جان برو) عام 1956م وأريحا حيث عثرت الآنسة كينيون أيضاً على آثار لإنسان فلسطين وذلك في حفائرها التي قامت بها في الفترة بين 1952-1957م.
وقد أطلقت الآنسة دورثي جارود على الحضارات السابقة الذكر اسم الحضارة النطوفية نسبة إلى وادي النطوف شمال القدس في كهف كشفت عنه في عام 1928م واسمه كهف الشقبة.
وقد عرف الإنسان في هذه المرحلة الموغلة في القدم تأنيس الحيوانات وتربيتها، حيث عثرت الآنسة دورثي جارود على جمجمة كاملة لكلب كبير في مغارة الوادي من كهوف الكرمل. ويعتبر فيليب حتي هذه الجمجمة أول برهان لتدجين الحيوانات، ويعتقد أن إنسان تلك الحضارة دجن الكلب حين كان لا يزال يعيش صياداً، وكان ذا فائدة في الصيد والحراسة وجمع فضلات الطعام(1) كما عثر جارستانج على أشكال تمثل البقر والماعز والغنم والخنزير وهي مقدمات نذرية، وقد صنعت من الطين. وهذه تؤكد أيضاً معرفته لتدجين الحيوانات.
وقد مارسوا الصيد حيث عثر على أعداد للأدوات الصوانية، والآلات المدببة وأهمها ما يعرف لدى المنقبين باسم النصل القمري، وهو نصل صواني على شكل قوس أو هلال. ويعتقد وليم ف. أولبريت بأنه استخدم كرأس سهام كان لها فرضة، كذلك السنانير المصنوعة من العظم لصيد الأسماك.
كما عرف إنسان فلسطين الزراعة منذ 12000 سنة ق.م. وقد عثر المنقبون (الآنسة دورثي جارود وتورفي بتروكاثلين كينيون) على أدوات تؤكد معرفتهم للزراعة، أهمها مناكيش أطرافها مدببة ومعاول، وقد صنعت لحرث الأرض. أما الأدوات الخاصة بالحصاد فهي المناجل وبعضها كبير الحجم وقد صنع من حجارة الصوان، وكذلك مناجل صنعت من العظم بعضها كامل وبعضها مكسور، والمناجل الكبيرة زينت برؤوس منحوتة لحيوانات من البيئة وقد ثبت المثال بنصالها أسناناً صغيرة من الصوان تمتد من طرف النصل إلى طرفه الآخر.. وهذا النوع ظل معروفاً بفلسطين حتى العصر الحديدي مع إدخال تعديلات لم تبعده عن الأصل. (وليس ثمة ما يستغرب في هذا الاتجاه المحافظ للشكل، فإنما هو امتداد لاتجاه كل الجماعات إلى التمسك بخبرتها الاجتماعية التي اكتسبتها بالعرق والجهد وميلها إلى نقل هذه الخبرة من جيل إلى جيل بحسبانها تراثاً لا يقدر بثمن)(2).
كما عثر في وادي النطوف على أدوات حصاد وهي مناجل صنعت من حجارة الصوان من النوع المعروف باسم "الشفرات الصوانية" وقد ثبت في قبضة خشبية ذات شكل منحنٍ مثل المنجل، ويعتقد أنها كانت تستخدم لحصاد القمح.
وعثر في أريحا على قرابين تتمثل بأجران ومخازن غلال، كذلك أدوات لتجهيز الحبوب وهي الأهوان وأيادي الأهوان والأجران.. كما عثر داخل الكهوف وفي القرى على مناجل ومناكيش.
وأهم ما يميز فلسطين في هذه المرحلة بناء القرى وأشهرها قرى عين ملاحة وتعود للعصر النطوفي المبكر أي منذ 12000 سنة قبل الميلاد، حسب التاريخ بالكربون المشع.. وقد بنيت من الحجر، وتتميز بمنازلها ذات التخطيط المعماري الدائري وأرضياتها من الحجر، ومنخفضة عن سطح الأرض تميل جدرانها إلى الداخل، كما اتجهت إلى أعلى البناء، بحيث تكوّن قبة في النهاية.
كما عثر على قرى أخرى بالقرب من بحيرة الحولة في (عينات) أسسها وأرضياتها من الحجر، وعثر أيضاً في وادي النطوف شمال غربي القدس على بيوت دائرية مسقوفة بالقصب المخلوط بالتبن، وكذلك وجدت مواقد مربعة في وسط كل بيت وقد أحيطت بأحجار طليت بمادة بيضاء قوية جداً وهي الجبس.
عرف البناء في هذه المرحلة القديمة في أريحا حيث عثرت الآنسة كاثلين كينيون، على الصخر مباشرة على بيوت دائرية التخطيط تامة التكوين وتعود إلى العصر النطوفي المتأخر، وهي تدل على أول إنسان استقر في أريحا داخل منازل وقام بأول تجربة في فن البناء، وتعتقد كينيون أن أهل أريحا قد بنوا في بادئ الأمر بيتاً دائرياً صلباً وواسعاً، ومن ثم قلد بعد ذلك، فشيد أهل أريحا عدة مبان دائرية انتشرت على مساحة كبيرة وهي عشرة أفدنة وسكنها في بادئ الأمر نحو ثلاثة آلاف نسمة. وتبدو مساكن أريحا في تلك الفترة وكأنها بيت واحد وفيها الوسائل الدفاعية، كما يبدو أن مجتمع أريحا كان في تلك الفترة مجتمعاً مترابطاً يتكون من جماعات ذات هدف واحد ويؤكد ذلك نظام المدينة المحاطة بالأسوار الدفاعية(3).
وكانت مباني أريحا من جواليص الطين أو الطوب، وجدرانها منحنية إلى الداخل كلما اتجهت إلى أعلى، بحيث تعطي في النهاية قبة وكان لها مداخل منحدرة، ووجدت آثار لخشب في الجدران، وهذا يوحي بأن السقف من أغصان وفروع من الخشب مجبسة، أما وجه الحائط، فكان يتكون من الطين المغطى بألواح من أشجار النخيل، وأما الأرضية، فهي من الطين المجبول، وتاريخ هذه المباني يعود إلى 7800 سنة ق.م. ولا تقل عن 7000ق.م. وذلك حسب التاريخ بالكربون المشع(4). وأحيطت المدينة بسور ارتفاعه عشرة أمتار ما زالت بقاياه في مدينة أريحا القديمة.
وقد كان لهم تفكيرهم الديني الخاص. فقد وجد في "عينات" معابد، وتبين أن أريحا وتاريخ معبد أريحا يعودان إلى 7800 سنة ق.م.(5). كما عرفوا المقابر حيث عثر في قرى عين ملاحة على مقابر جماعية وفردية وكان أهلها يهتمون بتغطية موتاهم بكتل حجرية ضخمة لحفظها. وقد زودوا مقابرهم بالأثاث الجنائزي وكذلك الحال في مقابر عينات حيث كان لهم تقاليد محكمة في الدفن وقد زودوا مقابرهم بالأثاث الجنائزي.. كما وجدت أواني الطعام وأدوات الزينة في أماكن الدفن(6) وعرفوا أيضاً فن النحت والنقش، حيث عثر على تمثال صغير يمثل غزالاً منحوتاً من العظم، وعلى تماثيل حجرية لرؤوس أشخاص، وعلى نحت يمثل عضو التذكير من الصوان في مغارة الوادي، وهي عادة كنعانية، كما مهروا في النحت والنقش على العظم لرؤوس الحيوانات ومنها الثور والغزال.
ومن خلال عرضنا السابق نجد أن أهل فلسطين خلال العصر الحجري المتوسط عرفوا حياة الصيد وتأنيس الحيوانات والزراعة وبناء القرى منذ 12000 سنة ق.م. ونظام القبة المعماري وكذلك المقابر والنحت والنقش وأدوات الزينة. وتشير هذه الحضارة إلى بعض الدلالات الكنعانية العربية وأهمها:
1-النحت الذي عثر عليه في مغارة الوادي ويمثل عضو تذكير.. هذا النحت كان يستخدم في مراسم عبادة داخل المغارات. وقد استخدم النحت الذي يمثل عضو التذكير في الاحتفالات السنوية التي تقام في كل عام لدى الكنعانيين وخاصة منذ 3000 سنة ق.م. وتعرف باحتفالات عيد إله الخصب في مطلع الربيع وعيد آخر في تموز.
2-نظام القبة والذي عرف منذ 12000 ق.م.. وكان من أهم ميزات العمارة الكنعانية خلال عصر البرونز والحديد والعصور التي تلت وقد ظهر طراز القبة في مسجد قبة الصخرة، فالمهندسون المعماريون والعمال هم عرب من فلسطين وسوريا.
أهم المراجع:
(1)-د. فيليب حتي، تاريخ لبنان، مترجم، دار الثقافة بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1972م.
(2)-أرنست فيشر، ضرورة الفن، مترجم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971م، ص 203.
(3)-Kathleen, M.Kenyon Excavations at Jericho 1955, From Exploration, Quarterly, October, 1955, page 110, 111.
(4)-Kathleen, M. Kenyon Excavations at Jericho, From Palestine Exploration, Quarterly, July- December 1956, Page 6.
(5)-Kathleen, M. Kenyon Jericho, Archaeology, Vol, 20, No. 4 (October 1967) D. 267.
(6)-د. وليم ف. أولبريت، آثار فلسطين، مترجم، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الكتاب الحادي عشر، 1391هـ 1971م، 63.
د. رشيد الناضوري، جنوب غربي آسيا وشمال أفريقيا، الكتاب الثالث، دار الجامعة العربية، بيروت، يناير 1969م، ص 36.
فلسطين خلال العصر الحجري الحديث
إن معظم آثار العصر الحجري الحديث بفلسطين عثر عليها المنقبون في مدينة أريحا. وتقول الآنسة كينيون إن الآثار المادية الغزيرة في أريحا، تدل على أن الإنسان قد خطا نحو المدينة منذ نحو 7000 سنة ق.م. "وإن حضارة أريحا كانت بداية الخيط والإشعاع الأول لبداية الحضارة الإنسانية". إذ إن البقايا الأثرية للعصر الحجري الحديث والعصر الحجري المتوسط "النطوفية المتأخرة" تعطينا دلالات على أن مدينة أريحا استقرت استقراراً كاملاً في نحو 8000-7000 سنة ق.م.(1) وقد سبق أن أوردنا أنه كان يسكنها في البداية نحو ثلاثة آلاف نسمة على مساحة عشرة أفدنة وتبدو وكأنها بيت واحد على ما فيها من الوسائل الدفاعية.
وقد دلت البحوث الأثرية على أن أريحا حلت بها أمطار غطت المساكن القديمة، ومن ثم اضطر أهلها لبناء مساكن أخرى. وقد وجد هذا النوع في تسع طبقات حفرية متتالية، وطراز هذه العمارة الدنيوية مؤلف من غرف مجتمعة حول باحة تتوسطها، بحيث تلتقي بداية الغرف مع نهايتها، وهي ذات زوايا قائمة وجدرانها صلبة وأبوابها عريضة، وذات أقواس دائرية. وقد بنيت الجدران بقوالب من الطوب المسطح المضغوط والمصنوع باليد. أما جدران وأرضيات الغرف والباحات فقد طليت بطبقة رقيقة من الجبس المحروق. وقد احتفظت الجدران والأرضيات المصقولة بعناية بلمعانها حتى وقت العثور عليها. وقد زينوا الجدران بعظام أسماك السردين(2) وتاريخ هذه المباني يعود إلى 6800 سنة ق.م. وقد ظهر نوع آخر من المباني يتكون من قطع من الحجر الضخم، اصطف بعضها إلى جوار بعض، ووضع بعضها فوق بعض، ثم غطيت من الخارج بالتراب أو الحجارة، وقد وجدت مبانٍ عديدة من هذا النوع منتشرة بفلسطين وحول نهر الأردن على ضفتيه وتاريخها يعود إلى 6250 سنة ق.م.(3) وقد استمرت حتى المرحلة الثانية من العصر الحجري الحديث المتضمن للصناعة الفخارية وكذلك العصر الحجري النحاسي إلى جانب بناء القرى المنظمة ذات البيوت المتباعدة شيئاً، والتي امتازت بزواياها القائمة وبجدرانها المبنية بجواليص الطين المستدير. وقد اهتموا أيضاً بالعمارة التحصينية الدفاعية وهي تتكون مما يأتي:
1-الخندق: وهو محفور في الصخور الصلبة يبلغ طوله نحو 27 قدماً وعرضه 9 أقدام وكانوا يملؤونه بالماء الذي يجلب من نبع أريحا، ويدل على ذلك طبقة الطمي التي تملأ الخندق.
2-البرج: دائري الشكل وقد بني من الحجارة، وهو مصمت الجدران ليس به فتحات وارتفاعه 30 قدماً، به سلم حجري يوصل إلى قمة البرج وعدد درجاته ثمان وعشرون درجة. وهي تنزل بزاوية 30 درجة، وعلى عمق 20 قدماً، وكل درجة من درجات السلم تتكون من طبقة حجرية واحدة وقد قام البناء بتنعيمها باستخدام المطرقة. أما السقف فقد صنع بالطريقة التي استخدمت في السلالم نفسها، وقد وصل عرض بعض تلك الحجارة إلى متر ونصف. أما جدران مدخل السلالم فقد غطيت بطبقة من الجبس المصنوع من الطمي. ويرى بوضوح آثار أصابع الأشخاص الذين قاموا بتغطيتها بالجبس، وفي أسفل مدخل السلالم وجد ممر أفقي يتجه ناحية الشرق. وتعتقد الآنسة كينيون أنه ربما أدى إلى فتحة لخارج البرج.
3-الأسوار: أحيطت أريحا بأسوار وهي مشيدة من الحجارة، ومنها سور واضح يتكون من حجارة، على ارتفاع 20 قدماً.
وكان لهم معابد إذ عثرت الآنسة كينيون على معبد مؤلف من غرفة مستطيلة الشكل أبعادها 6 × 4 متراً، وأرضيتها مغطاة بالجبس المصقول.
وفي أحد أطرافها محراب مؤلف من جدران منحنية باتزان، وبه قاعدة حجرية من الصوان الخشن، وبجوارها ملقى حجر بركاني شكل بعناية، كذلك أشكال نذرية تمثل حيوانات مصنوعة من الطمي أو الصلصال، وهناك وسط الغرفة حوض من الحجر مستطيل وصغير، غطي سطحه بطبقة من الجبس المصقول، ثم حرق الجبس بعناية بالنار(4).
وقد وجدت أيضاً مبنى غريب الشكل يعود إلى نفس مرحلة المباني الملتفة حول باحة تتوسطها، وقد وجدت جماجم للأطفال، بل طفل كامل، وقد وضعت جميعاً تحت أساس هذا المبنى الغريب، ويدل هذا أنها ضحية أو قربان(5) وهذا يذكرنا بمعابد الكنعانيين العرب فمن عاداتهم دفن موتاهم من الأطفال تحت أسس المباني الدينية والدنيوية.
وقد عثر على شواهد دينية حجرية منتشرة بكثرة في فلسطين وعلى جانبي نهر الأردن وهي مؤلفة من صفوف ودوائر حجرية، وهذه أيضاً عادة عربية كنعانية ظهرت بشكل واضح بفلسطين منذ عصر البرونز المبكر وكذلك في سورية ولبنان والأردن. إذ كانوا يضعون حجارة رمزية للآلهة تحت الأشجار على الأماكن المرتفعة. وهي ضخمة ومستطيلة الشكل، ومنها حجر يمثل إله القبيلة وحجر يمثل إله الخصب وحجر هو مذبح صخري للقرابين.
وتفيد الحفائر الأثرية أنهم آمنوا بالخلود والحياة الأخرى بعد الموت: ولذلك حرصوا على دفن موتاهم تحت أرضيات منازلهم. كما عرفوا فن النحت، وخاصة التماثيل البشرية وتتكون من (أب- وأم- وابن) وهذا النوع من التماثيل حجمه ثلثا الحجم الطبيعي للإنسان وهذا النحت الثلاثي يذكرنا بالثالوث في العبادة العربية الكنعانية. فيدل على أنهم عرب كنعانيون في هذه المرحلة. وقد وجدت الآنسة كينيون تمثالاً تعتقد أنه يخص أم الآلهة وهو صغير جداً ولا يتجاوز حجمه أكثر من حجم الأصابع طولاً ورأسه مفقود، أما باقي التمثال فهو موجود. وقد أظهر المثّال العباءة الفضفاضة التي تتجمع حول خصر الإلهة، كما أظهر ذراعيها اللتين تضعهما حول خصرها، أما الأيدي فتمسك بها صدرها وهذا التمثال على حسب اعتقادي هو تمثال لإلهة الخصب في أريحا وهي التي عرفت أيام العرب الكنعانيين باسم الإلهة عناة. حيث كانوا ينقشون رسوماً لها خلال عصر البرونز وما تلاه بنفس الطريقة التي ظهر عليها تمثال أريحا. كما أن تمثال هذه الإلهة يشير إلى معرفة أهل أريحا للنسيج منذ فترة لا تقل عن 7000 سنة ق.م. لأن التمثال يعود تاريخه إلى 6800 سنة ق.م.(1).
وقد عرفوا النحت الذي يمثل الحيوانات، حيث عثر على أعداد كبيرة منها، كأشكال نذرية مشكلة- منها الماعز- الماشية والخنازير كما وجدت تماثيل لأعضاء التذكير داخل المعابد وهي عادة عربية كنعانية الغرض منها تقديس الخصب.
ووجد داخل المعابد رموز عربية كنعانية منها قاعدة حجرية صنعت من حجر الصوان الخشن وحجر بركاني شكل بعناية. وقد وجد إلى جوارها الأشكال النذرية التي تمثل الحيوانات(6).
وأهم ما يميز هذه المرحلة، "النحت الصوري" وقد تمثل بجماجم مغطاة بطبقة من الجبس، بعضها يعود إلى 6800 سنة ق.م. والبعض إلى 5000 سنة ق.م. وعليها علامات بعضها له شنب مرسوم وبعضها حليق الرأس، وقد ظهر على الجزء العلوي للرأس في بعضها غطاء، يشبه غطاء الرأس المعاصر لدى السيدات الفلسطينيات ويعرف حالياً باسم "الوقاية" أو "الصمادة". وظهرت هذه خلال فترات عصر البرونز والحديدي والعصر اليوناني الروماني واستمرت دون انقطاع حتى الآن، وهي تؤلف وثيقة أو هوية إثبات لاستمرارنا على أرض فلسطين.
أما الرؤوس الحليقة فإنني أعتقد أنها رؤوس كهنة معابد. وهم عرب كنعانيون، وكان الرأس المحلوق ميزة من ميزات الكهنوت العربي الكنعاني، وقد ظهر الكهنة الكنعانيون العرب على جدران طيبة عام 1420 ق.م. وهم حليقو الرؤوس، يقدمون الجزية.
وقد عرفوا الفخار في هذه المرحلة وهو نوعان:
النوع الأول- الفخار غير المحروق: وقد وجدت كينيون خمس قطع دائرية الشكل صنعت من الصلصال وهي رقيقة تماماً مثل النقود ويعتقد أنها قطع عملة، كما عثرت على قطعة أخرى مخروطية الشكل من الصلصال وغير محروقة وتتميز بأن عليه أشكال خطوط ملتوية، وتعتقد الآنسة كينيون أنها أختام، وتاريخها يعود إلى 6800 ق.م.
النوع الثاني- الفخار المحروق ويعود تاريخه إلى 5500 ق.م. يعتقد بعضهم أنه يعود إلى 5000 سنة ق.م.
والفخار المحروق عثر عليه كل من جارستانج وكينيون في أريحا، واستكليس في أريحا وقرى اليرموك. والفخار الذي عثر عليها جارستانج اتخذ في بادئ الأمر شكل الأحواض المجوفة في الأرض ومن ثم بُطن بطبقة من الكلس، ويبدو أن ذلك استخدم مخازن لحفظ الحبوب وجمع الماء. ثم تطور واتخذ أشكال جرار لها حواف بسيطة وقعر مسطح ومسكات على شكل الكرة أو العروة.
أما فخار استكليس فقد زين برسوم تمثل هيكل السمكة.
والفخار الذي عثرت عليه الآنسة كينيون في حفائرها في الطبقة (9) يتميز بأنه مخلوط بالتبن ومزين ببعض الأشرطة من عظام السردين، وقد رسم الفنان عليه أشكالاً هندسية اشتملت على وحدات هندسية منها المثلثات والخطوط المتعرجة بزوايا هندسية منفرجة. والجدير بالذكر أن بعض أشكال فخار أريحا تشبه أشكال الفخار الفلسطيني المعاصر شبهاً واضحاً وأهمها الإناء المعروف حالياً (بالزبدية أو صحن أبو عشرة أو اللقان) وفخار أريحا يعود إلى 5000 سنة ق.م. على الأقل. وهذا التشابه راجع للمحافظة على استمرارية الشكل عبر التاريخ ليبقى شاهداً على وجودنا القديم في فلسطين.
من خلال عرضنا السابق، نجد أن حفائر فلسطين والتي تعود إلى العصر الحجري الحديث. تدل على أنها عربية كنعانية.
أهم المراجع:
(1)-Kathleen, M. Kenyon: Jericho, Archaeology, vol, 20, No.4. (October 1967, P. 268, 270.
(2)-Kathleen, M. Kenyon: Excavations at Jericho, 1956 From Palestine Exploration uarterly July- December, 1956. Page 6
(3)-د. رشيد الناضوري، جنوب غربي آسيا وشمال أفريقيا، الكتاب الأول، ص 140، دار الجامعة العربية، بيروت، سبتمبر، 1968م.
(4)-Excavations at Jericho- 1954, by Kathleen M. Kenyon (Director British School of Archaeology in Jerusalem Page 9).
(5)-نفس المرجع السابق ص 9.
(6)-An Article from Scientific American, April 1954, Vol. 190, No.4 (ancient Jerich) by Kathleen M. Kenyon, Page 81.
((الباب الرابع))
فلسطين خلال العصر الحجري النحاسي
(5000-3000 سنة ق.م.)
قامت خلال هذا العصر عدة حضارات هامة متصل بعضها ببعض أهمها: أريحا- ووادي غزة- والغسولية- وبئر السبع- ومجدو- وبيت شان- والخضيرة- وتل الفارعة- وتل جازر، حيث تطورت الحياة في جميع مظاهرها، واكتشف معدن النحاس، وظهرت الزراعة المعتمدة على الري، وقد شملت عدة أنواع من الخضراوات وهي الخس والبصل والثوم والحمص والفول والتوابل.
ويعتقد أنها أثرت في ارتفاع قامتهم وقوة أبدانهم قياساً إلى من تقدموهم من أسلافهم، ويمكن القول إنهم كانوا مزارعين بالدرجة الأولى، وقد عرفوا إلى جانب زراعة الحبوب، زراعة الزيتون، والنخيل، أما حياة الصيد فكانت بالنسبة لهم شيئاً ثانوياً(1).
كما كانوا يزرعون العنب والتين، وقد عثر مكالستر على حفر ذات تجويف خصصت لعصر العنب والزيتون، وقد عثر على معاصر الثمار المنقورة في الصخر، في أماكن متعددة وخاصة مدينة الخليل.
وأهم آثارهم المعمارية تتكون من منازل ومعابد وأضرحة. فالمنازل في الغسولية، وقد بنيت جدرانها من الطوب اللبن المتوسط الحجم على أساس من الحجر، أخذ من المنطقة نفسها، وقد غطيت سقوفها بالقصب وأغصان الأشجار، وامتاز فن المعمار بالأبنية الكبيرة الحجم والتخطيط المعماري المستطيل، وبعض المباني تقابل منازلها باحة، وقد أحيطت المنازل من الخارج بأسوار، وبعض منازل الغسولية شيدت أسسها وجدرانها من الطوب اللبن. وأما السقوف فقد استخدموا الخشب في تغطيتها لوفرته في المنطقة نفسها. وكان لهم معابد في الغسولية وتل جازر وبيت شان والخضيرة وغزة وبئر السبع.
واهتموا ببناء الأسوار حول مدنهم، ومنها تل جازر حيث أحيطت بسور من الطوب الخشن وبقيت مدينة أريحا محاطة بأسوار عالية وخنادق مملوءة بالماء وبرج حجري يحمي المدينة.
وفي بئر السبع حفروا منازلهم داخل الصخور، ويؤدي إليها ممر أو ممارّ، والممر يؤدي بدوره إلى غرف جانبية وقد حفرت في الصخر.
كما عرفوا التصوير الجداري: -حيث رسموا على جدران مدينة الغسولية لوحات تصويرية متعددة الألوان، وتعتبر أقدم فريسكو في العالم القديم(2).. وأسلوب هذه اللوحات يتميز بالطابع الزخرفي الهندسي، وأهم هذه اللوحات، لوحة "النجمة الثمانية".
وكانوا يرمزون بهذه النجمة إلى كوكب الزهرة، وكانت هذه معبودة لديهم كما كانت إلهة الخصب. وقد قلدها اليهود فرسموا نجمة سداسية.. نقلاً عن النجمة الثمانية الكنعانية التي يعود تاريخها إلى 4500 سنة ق.م.
وظهرت هذه النجمة الثمانية في الزخرفة الإسلامية على أيدي فناني فلسطين وسوريا الذين قاموا بتشييد مسجد قبة الصخرة وزخرفته.. وهذه النجمة ما زالت تظهر حتى أيامنا هذه على الأزياء الفلسطينية المطرزة وتعتبر من أساسيات زخرفة فن التطريز الفلسطيني المعاصر.
وهناك عدة لوحات مرسومة، منها لوحة تمثل طائراً ملوناً يحاكي الطبيعة، ولوحة ملونة تمثل رجلاً يجلس أمامه شخصان، يلبس أحدهما حذاءً مطرزاً(3).. وبهذا فقد عرف التطريز بفلسطين منذ 4500 سنة ق.م.، كما رسموا أشكالاً آدمية وحيوانية على سطوح الأحجار، حيث عثروا في مجدو على رسوم تمثل ذلك، كما عثروا على (دلايات) مرسوم عليها، منها دلاية تمثل فتاة وبيدها زهرة، ويعود تاريخها إلى الألف الرابعة قبل الميلاد.
وعثر المنقبون على تماثيل نذرية تمثل البقر والماعز والأغنام وعلى تمثال يمثل جسد امرأة عثر عليه في بئر السبع. وهذه تمثل إلهة الخصب عناة أو عشيرة الكنعانية. هذا وقد قدسوا الحمامة ونحتوا لها تماثيل، وقد لازمت كهنة المعابد الكنعانية خلال العصور التاريخية وقدسها الفلاحون في فلسطين لصوتها، يقولون إنها مباركة وتسبح ربها.
كما عرفوا صنع الفخار ومهروا في زخرفته وهو نوعان: الأول الفخار الجنائزي والثاني الفخار الدنيوي. والفخار الجنائزي: يمثله المدافن أو التوابيت الفخارية، وبعضها على شكل بيوت وترتكز على قوائم أسطوانية أربع ولها سقف دائري وهو غير مزخرف، وتوابيت أخرى مؤلفة من صندوق مستطيل من الطين، يميل من الأعلى مثل "الجملون" وعليه زخارف على أسلوب اللوحات الجدارية التي عثر عليها في مدينة الغسولية، وقد وجدت بالقرب من قرية الخضيرة على الساحل الفلسطيني.
وزخارف هذه التوابيت ما زالت توضع على الأزياء الفلسطينية المعاصرة. وقد عثر في تل الجزر بالقرب من أبو شوشة، على أوانٍ فخارية مملوءة بالطعام والشراب بجوار الموتى، وهناك جرار فخارية كان يوضع بها الأطفال الموتى ويدفنون تحت أسس المباني والهياكل أو المعابد، عثر عليها في تل جازر وبيت شان والغسولية وأريحا. وما زالت هذه العادة الكنعانية العربية تمارس لدى الفلسطينيين فعندما يموت طفل دون السنة، فإنهم يضعونه داخل جرة فخارية ثم يدفنونه.. وهذه العادة الأسطورية تعطي دلالة على استمرارية شعب واحد عربي كنعاني على هذه الأرض.
وأما الفخار الدنيوي: فقد عثر على أعداد كثيرة منه في بيت شان وتتميز بلونها الأسود، والرمادي المصقول، والأيدي المموجة. وقد وجد منه نماذج في مصر السفلى ويعود تاريخها إلى عصر ما قبل الأسرات، كما عثر في مجدو على أقدم أنواع الفخار المزين والمنقوش بزخارف كثيرة والملون وبه تطعيم، ويعتبر فخار أريحا من أجمل أنواع الفخار، ويتميز بتعدد أشكاله وتنوعها، وما زال بعضها بشكله حتى الآن دون تغيير ومنها الإناء المعروف باسمه الشعبي "الزبدية- صحن أبو عشرة اللقان" وكذلك الإناء المعروف باسم "البوشة والبقلوشة والزير".
وهذا الحفاظ على الشكل دلالة على الاستمرارية دون انقطاع... وهكذا يتضح لنا من العرض الموجز لفلسطين خلال العصر الحجري النحاسي، أن شعبها كان عربياً كنعانياً وأن هذا الشعب له ارتباط بالشعب العربي الفلسطيني المعاصر، بدلالة محافظة أهل فلسطين المعاصرين على صناعات وعادات أجدادهم الكنعانيين العرب.
أهم المراجع:
(1)-د. وليد الجادر، دراسة مترجمة في حضارة العراق والشرقين الأوسط والأدنى القديمة، مجلة الأقلام، بغداد، العدد السادس، ص 73.
(2)-عبد الرحمن المزين، رسالة الماجستير، الفن التشكيلي في فلسطين عبر التاريخ 1975، جامعة حلوان، ص 85.
(3)-د. وليم ف. أولبرايت، آثار فلسطين ص 71، مترجم، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1971م.
((الباب الخامس))
فلسطين خلال عصر البرونز
3000-1200 سنة ق.م
تعتبر مرحلة عصر البرونز من المراحل التاريخية الهامة، ذلك لما حدث خلالها من اتصال وتنقل وغزوات بالنسبة لسكان العالم القديم، ولوقوع فلسطين في هذه المرحلة بين حضارتين عظيمتين، مصر، وأرض الرافدين، وقد انعكس ذلك كله على الحياة والمجتمع بفلسطين.
ويقسم الباحثون عصر البرونز إلى ثلاثة عصور وهي كالتالي:
1-عصر البرونز المبكر ويمتد من 3000-2100 سنة ق.م.
2-عصر البرونز المتوسط المتأخر ويمتد من 2100-1600 سنة ق.م.
3-عصر البرونز المتأخر ويمتد من 1600-1200 سنة ق.م.
وسأتحدث أولاً عن عصر البرونز المبكر.
مع بداية هذا العصر حدث انتشار للعرب داخل حدودهم وظهرت تنقلات بشكل واضح وملموس. حيث انضم لعرب فلسطين عرب قادمون من أرض الرافدين ومن جنوب بلاد العرب. وقد أطلق على العرب سكان الساحل السوري (سوريا- لبنان- فلسطين) الكنعانيون وعلى سكان المناطق الداخلية البعيدة عن الساحل "العموريون".
وأهم مدن الكنعانيين بفلسطين أريحو- بيت شان- شكيم- تل بيت مرسيم- عكو- يافا- عسقلان غزة- بئر السبع- عقرون- تل جاز- تل الفارعة- أورشليم- مجدو- بيت يراح.
وقد سموا بالكنعانيين نتيجة لاشتهارهم بالصبغة الأرجوانية الحمراء، التي كانوا يستخرجونها من أصداف بحرية تكثر على الساحل الكنعاني، واسمها أصداف الموركس وهم لم يتاجروا بالصبغة، بل تاجروا بما أنتجته نساؤهم من الثياب المطرزة والمصبوغة بالصبغة الأرجوانية.
وكان هؤلاء قبائل تنافست فيما بينها على الرغم من صلة القرابة والجنس بينهم، فدفعهم ذلك إلى بناء قلاع ضخمة، وأسوار عالية حول مدنهم كي تحمي كل قبيلة نفسها وتدعم حكمها، ولهذا انتشر نظام المدن المستقلة، تؤلف كل مدينة أو مدينتين مملكة، وكذلك الحال في سوريا ولبنان والأردن.
وقد راعوا في بناء مدنهم المحصنة أن تكون على تل مرتفع عن سطح الأرض التي حوله بشكل ملحوظ، وأن تكون الأرض منبسطة شيئاً حول التل بحيث يمكن رؤية الأعداء بسهولة إذا قدموا إلى قلعتهم التي يقيمون فوقها مدينتهم، كذلك يجب أن يكون التل بالقرب من مصدر ماء للشرب.
وقد بنوا مباني دنيوية ودينية وجنائزية. ولكن الاهتمام الكبير وجه إلى (الدفاعات) في جميع المدن، فمثلاً، بلغ سمك خربة كراك نحو ثمانية أمتار، كما عثر على مبنى محصن في خربة كراك، بلغ سمك أسواره نحو ثمانية أمتار، كما عثر المنقبون على مبنى مستطيل الشكل أطواله تراوح بين (40-30 متراً) وسمك جدران المباني عشرة أمتار. ووجد بالمبنى مدخل في جهته الشرقية، وقد بلغ عرضه نحو سبعة أمتار(1). وهذا المبنى يدل على استمرار نظام القبة خلال عصر البرونز وقد ظهر بفلسطين منذ 12000 سنة ق.م، وما زال حتى الآن.
شاع طراز الأسوار العالية في كافة المدن، وهو في الغالب مكون من جزئين، سفلي منحدر من الجانبين، وذلك لكي يتحمل سمك الجدار، ويدعم به المبنى وعلوي قائم. وقد عثر على هذا الطراز في بيت شان ومجدو وتل جاز حيث بلغ سمك جدرانها نحو أربعة أمتار ونصف.
ولكن مدينة أريحا امتازت عن بقية المدن الفلسطينية بفن (الدفاعات) حيث اهتموا بها إلى حد كبير، وتتكون الدفاعات من خنادق، ثم منحدرات مائلة يتوجها من أعلى جدران شديدة الارتفاع وعريضة. وقد عثر في إحدى حفائر أريحا على خندق كثير الأجزاء على شكل 77 ويحيط به منحدر طوله 11 متراً، وارتفاعه 7.75 متراً وهي من الطوب. وداخل هذه الأسوار وجدت مبان بلغ سمك جدرانها حجراً واحداً، وهي أحجار طرية ناعمة مصنوعة من الصلصال الأخضر، وقد وجدت في حالة غير جيدة، ويبدو من الحفائر أنها بنيت ثلاث مرات. والمباني المبكرة منها بنيت منفصلة بعضها عن بعض بحشوات ركامية سميكة، ولكن المباني المتأخرة منها قد تميزت بالحشوات الطينية والحجرية، والجدران القائمة من الطوب(2).
تبلور الفكر الديني الأسطوري الكنعاني، في سورية عامة خلال هذه المرحلة ومنها فلسطين فابتكروا آلهة وبنوا لها معابد وأصبحوا يقدمون لها القرابين، ويقيمون لها مواسم سنوية. وأهم هذه الآلهة "عليان بعل- عناة- عشيرة أو عشتر- مت- ايل- حارون- شالم أو شليمو- داجون". والأسطورة الكنعانية بوجه عام هي تجسيد للمظاهر الطبيعية، حيث يصور الصراع بين المعبود بعل، إله الخضرة والأمطار، وبين المعبود مت إله الموت والحصاد، فيلتقي بعل مع مت، ويقضي مت على بعل، وفي هذه الفترة تكف الحياة عن الإنتاج والخصب. وتبحث عناة ومعها عشتر عن المعبود بعل أو "عليان بعل" إلى أن تعثر عناة على مت وتذبحه بسكين الحصاد، المنجل، وتذروه بالمذراة في حقول كنعان، فتعود الخضرة إليها وهكذا تتوالى العملية، فإذا ظهر عليان بعل، اختفى "مت".
وفي هذا حسب اعتقادهم استمرار لفصول السنة، وفي كل عام كانوا يحتفلون باليوم الذي مات فيه إله الخصب فيقيمون عيداً سنوياً مدته سبعة أيام، يقومون بطقوسهم، وأهمها رقصة المعابد، وهي الدبكة، التي يرقصون فيها على قرع الطبول ونغمات الناي. وهناك نصوص تشير إلى أنه كان للكنعانيين العرب، عيدان عيد في بداية الربيع، وعيد في شهر تموز.
وعندما حل الدين السماوي، تركوا الأساطير وآلهتها. ولكن أعياد الآلهة لم تمت أو تنته، بل تحولت إلى الأفراح الفلسطينية، فالفرح الفلسطيني أو العرس، يقام لمدة سبعة أيام بلياليها تتخلله رقصات الدبكة، وهي في الأصل رقصات المعابد الكنعانية.
وأسماء الآلهة الكنعانية ما زالت تطلق على قرانا ومدننا حتى الآن وهذه الأسماء هي: داجون أو دجاني- وعناة- وعشيرة- وعليان.
وهذا الحفظ التاريخي للعادات والأسماء الشخصية، وأسماء القرى والمدن هو دلالة على الاستمرارية والارتباط بتراث أجدادنا العرب الكنعانيين.
وقد أقاموا لآلهتهم الأسطورية معابد عديدة في مجدو وأريحا وبيت شان وغزة، ويعود تاريخها إلى مطلع الألف الثالث قبل الميلاد. وتحت جدران هذه المعابد عثر على جثث أطفال رضّع، وهذه العادة كنعانية. وداخل المعابد عثر على صناديق صنعت من الفخار أو الصلصال لخزن الغلال ومنها معبد أريحا وكذلك معبد في تل الدوير(3).
وخير مثال للمعبد الكنعاني، هو معبد مدينة عاي. وهو مستطيل الشكل والباب الرئيسي في أحد أضلاعه المستطيلة. وقد بُني بحجارة غير منتظمة، سويت بالدق والنحت. (كما هو متبع حتى الآن في بناء القرى الجبلية والمدن مثل الخليل ونابلس ورام الله وبيت لحم والقدس) أما سقف المعبد فقد كان مقاماً على أعمدة خشبية قائمة منحوتة نحتاً جيداً.
والواقع أن جميع المعابد التي عثر عليها كانت مؤلفة من غرفة واحدة لها باب في إحدى أضلاعها الطويلة. ويعود ذلك إلى أن الاحتفالات الدينية كانت تقام في الهواء الطلق
أما المقابر الجنائزية، فتتمثل في المقابر العديدة التي عثر عليها المنقبون في أريحا وتل الفارعة وخربة كراك وغيرها من مدن عصر البرونز المبكر وهي نوعان:
الأول: مقابر جماعية، وهي قبور واسعة جداً، وتحتوي على مقابر فردية، بداخلها أوعية فخارية قرابين، وأواني طعام وشراب لاعتقادهم بالعالم الآخر.
الثاني: مقابر فردية وهي صغيرة مخصصة لفرد واحد، وأثاث القبر في الغالب يتكون من خنجر أو دبوس شعر وخرز وأواني طعام، وشراب، والجدير بالذكر أن هذين النوعين يستخدمان حتى الآن في مدن فلسطين وقراها.
وقد اهتموا بالصناعات الفخارية، وهي عدة أنواع:
1-الفخار ذو الكسوة الشريطية.
2-الفخار ذو الحزم الزخرفية الملونة.
3-فخار خربة كراك.
4-الفخار ذو المقابض الظرفية.
واعظم أنواع هذا الفخار ما زال يصنع حتى الآن بفلسطين ولا سيما في غزة وخان يونس والخليل. ومن هذه الأشكال (الإبريق- والزبدية وصحن أبو عشرة واللقان والبوشة والبقلوشة والزير).
كما عرفوا فن التطريز يؤكد هذا ما عثر عليه المنقبون من آثار الأنوال وأثقال الأنوال وفلكات الغزل في كل بيت من بيوت عصر البرونز المبكر.
وهكذا يتضح لنا عروبة فلسطين خلال عصر البرونز المبكر، تؤكدها الدلالات الأثرية، الملموسة والعادات والتقاليد والصناعات التطبيقية المتوارثة حتى الآن.
أهم المراجع:
(1)-عبد الرحمن المزين، رسالة الماجستير، الفن التشكيلي في فلسطين عبر التاريخ، ص 114.
(2)-Jericho- by Kathleen M. Kenyon, From Archaeology, Vol. 20, No.4.
October 1967 page 274.
(3)-Excavations at Jericho- 1954, by Kathleen M. Kenyon. (Director, British School of Archaeology in Jerusalem, Page 14).
((الباب السادس))
فلسطين خلال عصر البرونز المتوسط
2100-1600 ق.م
تشير الحفائر الأثرية إلى أن أهل فلسطين خلال عصر البرونز المتوسط كانوا يقيمون داخل مدن محصنة، بأسوار عالية سميكة، ومزودة بشرفات وأبراج مراقبة، ومنحدرات مائلة بجوار الأسوار، وفي بعض المدن كان يحفر خندق حول الأسوار يملأ ماء لحماية المدينة، وكانت بعض المدن محاطة بسورين أو ثلاثة أسوار متتالية، لأن المدينة لها ملك، وبذلك فإن كلمة "مملكة" في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، خلال فترات عصر البرونز والحديد، تعني مدينة أو مدينتين، وما حولهما من أراضي زراعية، لأن كل مدينة كما سبق أن ذكرت عند كلامي عن عصر البرونز المبكر، كانت ملك قبيلة، ورئيس القبيلة هو الحاكم، ويلقب أحياناً بالأمير ولكن اللقب الغالب هو "الملك".
وكانت كل مدينة أو مملكة مستقلة بذاتها، الحاكم وجنده يعيشون داخل أسوار المدينة، وكان لطبقة الملاك والتجار قصور خاصة. وبقية الشعب يزرعون الأرض، ويقومون بالصناعات التطبيقية وغيرها. وإذا قامت حرب أو حدث هجوم على مدينة، فإن المزارعين والتجار وغيرهم يلجؤون إلى أسوار المدينة المحصنة، وكثيراً ما كانت تنشب حروب بين المدن أو بين هذه الممالك الصغيرة، ولذلك حرصت كل مدينة على حماية نفسها وأفراد قبيلتها. وقد حال هذا دون قيام وحدة بين ممالك فلسطين وسوريا ولبنان والأردن. بعكس مصر التي كانت تعيش تحت أمرة حاكم واحد، إذ ساعد هذا على قيام امبراطورية ضاربة وقوية متقدمة في جميع العلوم والفنون القديمة، وجعلها مرهوبة الجانب في وجه المغيرين، وكذلك الحال في أرض الرافدين، حيث قامت امبراطورية قوية.
(وتظهر فسيفساء، ترجع إلى امبراطورية حمورابي البابلية (2003-1950ق.م) أمراء محليين كانوا يتقاسمون بلاد كنعان "فلسطين وآمور، أو سوريا" وكان أهم أولئك الملوك الكنعانيين أو الفلسطينيين ملك "يبوس" أو "أورشيليمو".. وكانت تمتد مملكته حتى الكرمل، وهكذا تبدو أورشيليمو، مدينة ملك السلام، معروفة منذ العهد البابلي، وفي جنوب فلسطين في النقب تفيد حفائر "نلسون جلويك" أن النقب كان عامراً بالسكان خلال عصر البرونز المتوسط حيث عثر على "قرى كثيرة صغيرة من الحجر تسكنها أقوام نصف بدوية، منتشرة في كل المنطقة القاحلة التي تقع جنوبي بئر سبع).(1)
ويبدو لي أنهم من قبائل المدينيين الذين انتشروا حول برزخ السويس وبجنوب فلسطين وهم الذين أنقذوا "سنوحي"، ومدوا له يد العون وساعدوه في إتمام رحلته عبر فلسطين ثم لبنان، واستقراره أخيراً في سهل البقاع بسوريا.
كما أن اسمي ملكي المدينة، ملكيصادق وأدوناي- صادق (نحو 2000 ق.م) هما من أسماء العلم المعروفة في ذلك العهد(2). ويجب أن يعرف أن اسم القدس الكنعاني هو "أورشليم أو أورشالم" وقد ظهرت هذه المدينة خلال العصر الحجري النحاسي، ودلت حفائر ايبله بسوريا، على أنها إحدى المدن الكنعانية المعروفة منذ 2500 ق.م واسمها مشتق من اسم الإله الكنعاني "شالم". أي أن اسمها "أورشالم أو أورشليم".
وتشير الحفائر التي قامت في فلسطين إلى أن هناك وافدين جدداً من سوريا الشمالية، ينتمون إلى سكان فلسطين الذين استقروا قبلهم بآلاف السنين، ويبدو أن الوافدين الجدد، هم عموريون من القبائل المتج