نقلا عن صحيفة القدس الفلسطينية
من الثوابت الراسخة لدى أبناء الشعب الفلسطيني التي حاولوا، ونجحوا أحيانا وفشلوا في أحايين أكثر، ترسيخها لدى الأشقاء العرب أن القضية الفلسطينية تسمو على الخلافات العربية، وأنهم لا يتدخلون في هذه الخلافات والأحداث الداخلية. كما أن الأشقاء العرب في خلافاتهم ونزاعاتهم الداخلية وفيما بينهم يجب أن يتركوا الفلسطينيين وشأنهم، ويكفيهم معاناة اللجوء والابتعاد القسرى لعدة أجيال عن ديارهم ووطنهم.
لكن هذه الثوابت تتعرض للانتهاك من جانب بعض الأشقاء، الذين يحاولون إدخال القضية الفلسطينية والفلسطينيين، واستخدامهم ورقة في صراعاتهم وخلافاتهم وحروبهم الداخلية. وهنا لا بد من التنبيه إلى أن التزام موقف الحياد في قضايا تمس بحياة اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة يزداد صعوبة، خصوصا وأن هؤلاء اللاجئين أصبحوا بحكم العقود الطويلة لتي قضوها في الشتات جزءا من النسيج الاجتماعي والسياسي في الدول المضيفة. ولو أن الأشقاء العرب بذلوا الجهود السياسية، وغير السياسية، لحل قضية اللاجئين وفقا لقرارات الأمم المتحدة، لكانت هذه القضية قد تمت تسويتها بشكل عادل منذ وقت طويل، ولما وصل الأمر حد استخدام الورقة الفلسطينية في شؤون قطرية محضة، على حساب قضيتهم ومستقبل حقهم في العودة وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
وهذا الاستخدام حدث في أكثر من دولة من دول ما يسمى بالطوق، بل وخارج الطوق. وآخر حالات إقحام الفلسطينيين في الشؤون الداخلية العربية هي ما يحدث الآن في سوريا الشقيقة، وتحديدا في مخيم الرمل المجاور لمدينة اللاذقية الساحلية.
وبداية، فما يحدث في سوريا منذ منتصف شهر آذار وحتى الآن هو شأن داخلي سوري، القول الفصل فيه أولا وآخرا للشعب السوري. والفلسطينيون يتمنون الخير لسوريا الشقيقة وأن تتحقق فيها الإصلاحات وفقا لتطلعات شعبها في الحرية والديموقراطية، وأن ينتهي العنف ويعود السلام والوئام والاستقرار إلى ربرعها. وهذا هو موقف الفلسطينيين عامة لأن لدينا ما يشغلنا عن التطورات الأخيرة في العالم العربي، وإن كان العرب جميعا، بل والعالم كله يتفاعلون مع هذه الأحداث العصيبة. والفلسطينيون ليسوا استثناء.
لكن اقتحام مخيم الرمل، وقصفه بالدبابات والمدافع، لا يدل على اهتمام حقيقي بالقضية الفلسطينية،
وهو يعد جريمة ضد الإنسانية تعيد للأذهان ما حدث في مخيم تل الزعتر بلبنان عام ١٩٧٦، والمجزرة التي ارتكبت فيه تحت سمع وبصر، حتى لا نزيد، الجيش السوري، ما شكل جرحا لا يزال نازفا في الذاكرة الجماعية الفلسطينية، كان من المفروض أن لا يضاف إليه جرح آخر مثل ما يحدث حاليا في مخيم الرمل.
سلسلة من المشاهد السوداء التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، في عدد من الدول العربية، تدل على أن أشقاءنا يعتبرون شعبنا الفلسطيني الحائط القصير الذي يسهل القفز فوقه والاستهانة به. وهم يعطون بذلك ضوءا أخضر للمحتل الاسرائيلي ليتعامل مع شعبنا بهذا الأسلوب، المرفوض أصلا وفرعا.
نطالب أشقاءنا باحترام الشعب الفلسطيني، ومراعاة قدسية القضية الفلسطينية. واللاجئون الفلسطينيون في الدول التي تكرمت بإيوائهم هم ضيوف إلى أن تحل قضيتهم. ومن حقهم، وفقا للقوانين الإنسانية والدولية، واعتبارات الأخوة العربية، أن يعيشوا حياة كريمة، وأن لا يقحمهم الأشقاء في منازعاتهم الداخلية والخارجية، لأن العودة إلى فلسطين هي غاية اللاجئين وطموحهم الوحيد.
ويبقى أن يدرك الأشقاء هذه الحقيقة، وأن يتعاملوا مع الشعب الفلسطيني على أساسها.